أوقات فراغ.. كلاكيت أول مرة! كريم الشناوي - قلم رصاص - القاهرة
"للكبار فقط".. عبارة تعودنا أن نراها على الكثير من أفيشات الأفلام العربية، ولكن هناك عبارة أخرى أهم، وهي "للشباب فقط"، يستحقها فيلم من نوع آخر، وهو "أوقات فراغ"، فهو فيلم شبابي بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
طيش، حرية، تهور، ضياع، تمرد، فراغ.. كلها صفات ترافق مرحلة الشباب، وكلها أيضا محاور في "أوقات فراغ" الذي يستحق بشدة لقب فيلم الشباب الأول لهذا الصيف، فقد ناقش كل تلك المشكلات وأكثر وبطريقته الخاصة، فأبطاله شباب والقصة لكاتب شاب.
أول مرة سينما
"أول مرة سينما".. عبارة أخرى يجسدها الفيلم؛ فأبطاله هم مجموعة من الوجوه الشابة يدخلون عالم السينما لأول مرة، وهم: أحمد حاتم وكريم قاسم وأحمد حداد وعمرو عابد وصفا تاج الدين، أما راندا البحيرى - وهي أقدمهم نسبيا – فهي البطولة الأولى لها، فقد أعادت اكتشاف نفسها فى دور مميز من خلال هذه المجموعة.
ولم تكن تلك هي التجربة الأولى للأبطال فقط، بل السيناريو أيضا انتهى الشابان (عمر جمال – محمود مقبل محمد) من كتابته وعمرهما 17 سنة، أما المخرج محمد مصطفى، فالفيلم يعد أول تجربة إخراجية له بعد فترة طويلة من العمل كمساعد مخرج.
الفيلم يتناول مشاكل الشباب بشكل واقعي غاب أو ندر فى السينما المصرية لفترة طويلة، وهو قريب جدا من حياتنا العادية.
فأبطال الفيلم عمرو، وهو شاب ينتمي لأسرة غنية، ينشغل عنه أهله، وحازم الذي ينتمي لأسرة متوسطة ينفصل والده ويعيش مع والدته، فتتعامل معه على أنه كبير البيت، وهو فى الوقت نفسه يدرس الهندسة مرغما بسبب رغبة والده ويريد أن يدرس فى كلية الإعلام ويعمل فى الصحافة.
أما الثالث، فهو أحمد وهو شاب من أسرة أقل مستوى من صديقيه، ويعانى من تزمت والده وعدم قدرتهم على الحوار، فيلجأ إلى الهروب من مواجهة والده بالكذب فى معظم الأحيان والأصدقاء الثلاثة يمضون أوقاتهم فى شرب المخدرات أو التسكع أو حتى الجنس، مع لحظات تمرد كثيرة لكل منهم على حياتهم بسبب نمطيتها.
أما منة (راندا البحيرى)، فعلى علاقة متذبذبة مع عمرو، وهي شخصية مترددة ترتدي الحجاب، ثم تخلعه مرة أخرى، وهو ما ينعكس على علاقتها مع عمرو، وتقوم صفا تاج الدين بدور صديقة أحمد، وعلى عكس منه، فهي شخصية قوية تحاول أن تحتويه وتصلح منه، وأغلب مشاكلهما بسبب تصرفاته غير المسئولة.
حياتهم.. شباب
وخلال الفيلم يتنقل هؤلاء الشباب ما بين أحوال مختلفة ما بين التدين الشديد وبين الإنصراف إلى المخدرات والجنس، وهم فى هذا التذبذب يعكسون حالة الاضطراب التى يعيشونها ويعيشها معظم الشباب.
وعلى الرغم من إنها التجربة الأولى لمعظمهم، فقد لاقى الفيلم إعجاب معظم النقاد والمخرجين الذين شاهدوه، وذلك فى العرض الخاص للفيلم فى نقابة الصحفيين، إلا أن نجاحه الأكبر كان بين الشباب، حيث رأى الكثير منهم أن الفيلم يعكس حياتهم بالضبط ويجسد مشاكلهم وأحاسيسهم والواقع أنك ستجد جميع شخصيات الفيلم فى حياتك، ما بين أصدقاء وجيران وزملاء أو حتى قد تجد نفسك فى شخصية من تلك الشخصيات.
كلام كبار
على الجانب الفني وعلى الرغم من تمييز مستوى الفيلم بشكل عام، إلا أن القصة والسيناريو شابهما بعض المشكلات، فالفيلم ركز على رسم الشخصيات بشكل كبير فظهرت عميقة وتعايشنا معها بشكل كبير، إلا أن ذلك جاء على حساب الحدث أو المشكلة، وهذا التركيز على عرض الشخصيات أدى إلى تحول الفيلم في أوقات كثيرة لشكل سردى تسجيلي، كما ساهم في الشعور ببطء الإيقاع فى بعض الأوقات في الفيلم خصوصا فى الجزء الأول، وإن كان البعض يرى أن فى ذلك انعكاسا لحياة الشباب انفسهم ونمطيتها.
وربما كان الهدف منها التطويل في الجزء الأول هو التأكيد على تصوير ونقل حياة هؤلاء الشباب بما بها من فراغ وشهوانية، ورغم أن هذا التطويل كان له تأثيره الإيجابى على معظم الشباب الذين شاهدوا الفيلم، حيث توحدوا مع أبطاله، وشعروا أنه يحكى حياتهم بشكل مباشر، إلا أن هذا جاء على حساب باقى عناصر الفيلم، فقد تم اختزال الجزء الثاني، وهو الأهم نسبيا، كما ضاع الإحساس بالحدث أو المشكلة مقابل الإحساس بالشخصيات، فالكثير خرجوا من الفيلم فى حالة إعجاب شديد به، ولكن دون وضوح لمشكلة محددة فى الفيلم.
وإذا كان لنا تعليق سلبي على السيناريو، إلا أن الحوار جاء مميزا، وواقعيا ويعد من أبرز عوامل نجاج الفيلم لدى الشباب، ولعل أهم ما ساعد على ذلك هو صغر سن عمر جمال كاتب السيناريو، فهو يكتب بلغته وعما يراه فى حياته، فجاء الحوار تلقائى وغير مفتعل.
التمثيل من أبرز إيجابيات الفيلم، فعلى الرغم من أن الفيلم يمثل التجربة الأولى لجميع الأبطال عدا راندا البحيرى، إلا أن أداءهم جاء مقنعا وطبيعيا وتميزوا فى أداء هذه الأدوار، وربما ساعدهم في ذلك مدى قرب الحوار للغتهم وحياتهم الطبيعية، إلا أن هذا لا ينفي وضوح الموهبة لديهم وخصوصا صفا تاج الدين والثلاثي أحمد وكريم وعمرو.
أما المخرج محمد مصطفى، وفي أول تجربة إخراجية طويلة له، أثبت أن لديه رؤية معينة للفيلم جاءت واضحة فى كل عناصر العمل، حتى أن بصمته تبدو واضحة على جميع العناصر، حتى السيناريو على الرغم من نفيه أن يكون قد تدخل فيه.
وبعيدا عن مشكلة الإيقاع فى بعض الأجزاء من الفيلم، إلا أن المخرج استطاع أن يتغلب على طول بعض المشاهد من خلال التقطيعات وتوزيعها على عناصر الصورة، مما خلق نوعا من سرعة الإيقاع، كما أن مشهد النهاية يحسب للمخرج، فعلى الرغم من بساطته، إلا أنه جاء مؤثرا جدا، وبشكل فنتازي، كان من الممكن أن يظهر بشكل سيء، لولا تمكن المخرج من أدواته.
وكذلك جاءت صورة الفيلم جاءت مميزة، وربما يرجع ذلك بشكل كبير لطبيعة أجواء التصوير، حيث كثرت المشاهد الليلية، مما أعطى فرصة للمخرج ومدير التصوير (سمير بهزان) لخلق جو عام بالإضاءة استطاع من خلالها تكثيف الحالات المتعددة فى الفيلم وفق رغباتهم وبحرية أكبر، فتميزت على سبيل المثال مشاهد إضاءة شوارع مصر الجديدة ليلا ومنها مشهد الحادث، إلا أن الفيلم لم يخلُ من بعض الأخطاء فى الإضاءة، خصوصا فيما يتعلق بمراعاة مصادرالضوء.
كما استخدمت الموسيقى بشكل محدود في لحظات معينة، وذلك من أجل تكثيف الحالة، وقلة الاستخدام تحسب للمخرج، فهو لم يرد أن يخلق جوا ميلودراميا مأساويا، وإنما أراده فيلما واقعيا، فجاء استخدام الموسيقى قليل، حتى يكون لها التأثير المطلوب فى لحظات معينة، فالعبرة ليست بملء شريط الصوت بالموسيقى والمؤثرات، ولكن بمدى ملائمة هذه الموسيقى لمشاهد الفيلم.
ومما يلفت الإنتباه أيضا عدم استخدام أية موسيقى لحظة موت صديقهم، ولكنه فضل الاستعاضة عنها بلحظات من الصمت مرت، وكأنها دهر وحققت تأثير أقوى مما كان سيحدث فى حالة استخدام الموسيقى كما هو شائع فى أفلامنا!!، فهو بذلك راهن على قوة مشهده وعلى أداء ممثليه دون اللجوء لعناصر تأثير أخرى، وقد ربح الرهان وكان المشهد من أكثر المشاهد حرفية فى التنفيذ وتأثيرا على الجمهور.
وعموما، فإن هذا الفيلم – رغم أية سلبيات – يستحق الإشادة، وتجربة تستحق التشجيع، فقد عكس الفيلم واقع الكثير من الشباب في المجتمع المصري – حتى وإن جاء ذلك بشكل صادم – ويمكننا أن نعتبره توثيقا لحالة من الفراغ الشديد الذى يعانيه الشباب.
كما أنه لفت الإنتباه للعديد من القضايا التى تشغل مجتمع الشباب وحتى إن لم يقدم حلولاً لهذه المشكلات، فإنه وعلى الأقل ألقى الضوء عليها على أمل الإنتباه لها، كما أن الفيلم دليل على أن أربعة ملاببن جنيه، شاملة تكاليف الدعاية، – وهو ليس مبلغا كبيرا فى ميزانيات الأفلام حاليا– تصلح لصنع عمل جيد يتناول موضوع جاد، ولا يعتمد على الإسفاف فى جذب الجمهور.. أليس كذلك؟!
" border="0" alt=""/>