تَلخيصُ
صِفَة صَلاة النبّي
صَلّى الله عَلَيهِ وَآله وَسَلّم
تَألــــيــــف
محمد ناصِر الدّين الألباني
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ونحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أولاً- استقبال الكعبة
1) إذا قمت أيها المسلم إلى الصلاة، فأستقبل الكعبة حيث كنت، في الفرض والنفل، وهو ركن من أركان الصلاة التي لا تصح الصلاة إلا بها.
2) ويسقط الإستقبال عن المحارب في صلاة الخوف والقتال الشديد.
- وعن العاجز عنه كالمريض، أو من كان فى السفينة أو السيارة، أو الطيارة، إذا خشي خروج الوقت.
- وعمن كان يصلي نافلة أو وتراً، وهو يسير راكباً دابة أو غيرها، ويستحب له-إذا أمكن-أن يستقبل بها القبلة عند تكبيرة الإِحرام، ثم يتجة بها حيث كانت وجهتة.
3) ويجب على كل من كان مشاهداً للكعبة أن يستقبل عينها، وأما من كان غير مشاهد لها فيستقبل جهتها.
حكم الصلاة الى غير الكعبة خطأ :
4) وإن صلي غير القبلة لِغَيْم أو غيره بعد الإِجتهاد والتحري جازت صلاته ، ولا إعادة عليه.
5) وإذا جاءه من يثق ُبه وهو يصلي فأخبره بجهتها فعلية أن يبادر إلى استقبالها، وصلاته صحيحة.
ثانياً- القيام
6) ويجب عليه أن يصلي قائماً، وهو ركن إلا على :
- المصلى صلاة الخوف والقتال الشديد، فيجوز له أن يصلي راكباً. والمريض العاجز عن القيام، فيصلي جالساً إن استطاع، وإلا فعلى جنب، والمنتفل، فله أن يصلي راكباً، أو قاعداً إن شاء، ويركع ويسجد إيماء برأسه، كذلك المريض، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.
7) ولا يجوز للمصلي جالساً أن يضع شيئاً على الأرض مرفوعاً يسجد عليه، وإنما يجعل سجوده أخفض من ركوعه كما ذكرنا إذا كان لا يستطيع أن يباشر الأرض بجبهته.
الصلاة في السفينة والطائرة :
وتجوز صلاة الفريضة في السفينة، وكذا الطائرة.
9) وله أن يصلي فيهما قاعداً إذا خشي على نفسه السقوط.
10) ويجوز أن يعتمد في قيامة على عمود أو عصا لكبر سنه، أو ضعف بدنه.
الجمع بين القيام والقعود :
11) ويجوز أن يصلي صلاة الليل قائماً، أو قاعدا بدون عذر، وأن يجمع بينهما، فيصلي ويقرأ جالساً، وقبيل الركوع يقوم فيقرأ ما بقى عليه من الآيات قائماً، ثم يركع ويسجد، ثم يصنع مثل ذلك في الركعة الثانية.
12) وإذا صلي قاعداً جلس متربعاً، أو أي جلسة أخرى يستريح بها.
الصلاة في النعال :
13) ويجوز له أن يقف حافياً كما يجوز له أن يصلي منتعلاً.
14) والأفضل أن يصلي تارة هكذا، وتارة هكذا، حسبما تيسر له، فلا يتكلف لبسهما للصلاة ولا خلعهما، بل إن كان حافياً صلي حافياً، وإن كان منتعلاً صلي منتعلاً، إلا لأمر عارض.
15) وإذا نزعهما فلا يضعهما عن يمينه، وإنما عن يساره، إذا لم يكن عن يساره أحد يصلي، وإلا وضعهما بين رجليه(*)بذلك صح الأمر عن النبي{ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّم }.
(*)وفيه ايماء لطيف إلى أنه لا يضعهما أمامه. وهذا أدب أخل به جماهير المصلين، فتراهم يصلون إلى نعالهم!
الصلاة على المنبر :
16) وتجوز صلاة الإِمام على مكان مرتفع كالمنبر لتعليم الناس، ويقوم عليه فيكبر ويقرأ ويركع وهو عليه، ثم ينزل القهقرى حتى يتمكن من السجود على الأرض في أصل المنبر، ثم يعود إليه، فيصنع فى الركعة الأخرى كما صنع في الاولى.
وجوب الصلاة الى سترة والدنو منها :
17) ويجب أن يصلي إلى سترة، لا فرق في ذلك بين المسجد وغيره، ولا بين كبيره وصغيره لعموم قوله{ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّم } : "لا تصل إلا إلى سترة، ولا تدع احداً يمر بين يديك، فإن أبى فلتقاتله فإن معه القرين" يعنى الشيطان.
18) ويجب أن يدنو منها، لأمر النبي{ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّم } بذلك.
19) وكان بين موضع سجوده{ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّم } والجدار الذي يصلي اليه نحو ممر شاة، فمن فعل ذلك فقد أتى بالدنو الواجب(*).
(*)ومنه نعلم أن ما يفعله الناس في كل المساجد التى رأيتها في سورية وغيرها من الصلاة وسط المسجد بعيداً عن الجدار أو السارية، ما هو إلا غفلة عن أمره صلى الله عليه وسلم وفعله.
مقدار ارتفاع السترة :
20) ويجب أن تكون السترة مرتفعة عن الأرض نحو شبر أو شبرين لقوله{ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّم } : "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة(*)الرحل فليصل، ولا يبالى من وراء ذلك".
(*)وهى العود الذي في آخر الرحل. و(الرحل) هو للجمل بمنزله السرج للفرس. وفي الحديث إشارة غلى أن الخط على الأرض لا يجزي، والحديث المروي فيه ضعيف.
21) ويتوجه إلى السترة مباشرة، لأنه الظاهر من الأمر بالصلاة إلى سترة، وأما التحول عنها يميناً أو يساراً بحيث أنه لا يصمد إليها صمداً، فلم يثبت.
22) وتجوز الصلاة إلى العصا المغروزة في الأرض أو نحوها، وإلى شجرة أو أسطوانة، وإلى امراته المضطجعة على السرير وهي تحت لحافها، وإلى الدابة لو كانت جملاً.
تحريم الصلاة الى القبور :
23) ولا تجوز الصلاة إلى القبور مطلقاً سواء كانت قبوراً للأنبياء أو غيرهم.
تحريم المرور بين يدى المصلي ولو في المسجد الحرام :
24) ولا يجوز المرور بين يدي المصلي إذا كان بين يديه سترة، ولا فرق في ذلك بين المسجد الحرام وغيره من المساجد، فكلها سواء في عدم الجواز، لعموم قوله{ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّم } : "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين، خيرا له أن يمر بين يديه" يعنى المرور بينه وبين موضع سجوده(*).
(*)وأما حديث صلاته{ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّم } في حاشية المطاف دون سترة والناس يمرون بين يديه فلا يصح، على أنه ليس فيه المرور بينه وبين سجوده.
وجوب منع المصلي للمار بين يديه ولو فى المسجد الحرام :
25) ولا يجوز للمصلي إلى سترة أن يدع أحداُ يمر بين يديه، للحديث السابق : "ولا تدع أحداً يمر بين يديك..." وقوله{ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّم } : "إذا صلى أحدكم الي شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع فى نحره، وليدرأ ما استطاع، (وفي رواية : فليمنعة مرتين)، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان".
المشى الى الأمام لمنع المرور :
26) ويجوز أن يتقدم خطوة أو اكثر ليمنع غير مكلف من المرور بين يديه كدابة أو طفل، حتي يمر من ورائه.
ما يقطع الصلاة :
27) وإن من أهمية السترة في الصلاة، أنها تحول بين المصلي إليها، وبين إفساد صلاته بالمرور بين يديه، بخلاف الذي لم يتخذها، فإنه يقطع صلاته إذا مرت بين يديه المرأة البالغة، وكذلك الحمار، والكلب الأسود.
ثالثاً- النية
28) ولابد للمصلي من أن ينوي الصلاة التي قام إليها وتعيينها بقلبه، كفرض الظهر أو العصر، أو سنتهما مثلاً، وهو شرط أو ركن، وأما التلفظ بها بلسانه فبدعة مخالفة للسنة، ولم يقل بها أحد من متبوعي المقلدين من الأئمة.
رابعاً- التكبير
29) ثم يستفتح الصلاة بقوله : "الله اكبر" وهو ركن، لقوله{ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّم } : "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها(*)التكبير وتحليلها التسليم".
(*)أي تحريم ما حرم الله من الافعال، وكذا تحليلها، أى تحليل ما أحل خارجها من الأفعال، والمراد بالتحريم والتحليل المحرَّم والمحلَّل.
30) ولا يرفع صوته بالكتبير في كل الصلوات، إلا إذا كان إماماً.
31) ويجوز تبليغ المؤذن تكبير الإمام إلى الناس، إذا وجد المقتضي لذلك، كمرض الإمام، وضعف صوته أو كثرة المصلين خلفه.
32) ولا يكبر المأموم إلا عقب انتهاء الإمام من التكبير.
رفع اليدين وكيفيته :
33) ويرفع يديه مع التكبير، أو قبله، أو بعده، كل ذلك ثابت في السنة.
34) ويرفعهما ممدودتا الأصابع.
35) ويجعل كفيه حذو منكبيه، وأحياناً يبالغ في رفعهما حتي يحاذي بهما أطراف أذنيه(*).
(*)وأما مس شحمتي الأذنين يإبهاميه، فلا أصل له في السنة، بل هو عندي من دواعي الوسوسة.
وضع اليدين وكيفيته :
36) ثم يضع يده اليمنى على اليسرى عقب التكبير، وهو من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأمر به رسول الله{ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّم } وأصحابه، فلا يجوز إسدالهما.
37) ويضع اليمنى على ظهر كفه اليسرى، وعلى الرسغ والساعد.
38) وتارة يقبض باليمنى على اليسرى(*).
(*)واما ما استحسنه بعض المتأخرين من الجمع بين الوضع والقبض في آن واحد فهما لا اصل له.
محل الوضع :
39) ويضعهما على صدره فقط، الرجل والمرأة في ذلك سواء(*).
(*)ووضعهما على غير الصدر إما ضعيف،وإما لا أصل له.
40) ولا يجوز أن يضع يده اليمنى على خاصرته.
الخشوع والنظر الى موضع السجود :
41) وعليه أن يخشع في صلاته، وأن يتجنب كل ما قد يلهيه عنه من زخارف ونقوش، فلا يصلي بحضرة طعام يشتهيه، ولا وهو يدافع البول والغائط.
42) وينظر فى قيامه الى موضع سجوده.
43) ولا يلتفت يميناً، ولا يساراً، فإن الالتفات اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد.
44) ولا يجوز أن يرفع بصره إلى السماء.
دعاء الاستفتاح :
45) ثم يستفتح القراءة ببعض الأدعية الثابتة عن النبي{ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّم } وهي كثيرة وأشهرها : "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" وقد ثبت الأمر به فينبغي المحافظة عليه.
خامساً- القراءة
46) ثم يستعيذ بالله تعالى وجوباً ويأثم بتركه.
47) والسنة أن يقول تارة : "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزه، ونفخه، ونفثه"، و(النفث) هنا الشِعر المذموم.
48) وتارة يقول : "أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان ..." الخ.
49) ثم يقول سراً في الجهرية والسرية : "بسم الله الرحمن الرحيم" .
قراءة الفاتحة :
50) ثم يقرأ سورة (الفاتحة) بتمامها، والبسملة منها، وهي ركن لا تصح الصلاة إلا بها، فيجب على الأعاجم حفظها.
51) فمن لم يستطع أجزأه أن يقول : "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
52) والسنة في قراءتها أن يقطعها آيه آيه، يقف على رأس كل آيه، فيقول : (بسم الله الرحمن الرحيم)، ثم يقف، ثم يقول : (الحمد لله رب العالمين)، ثم يقف، ثم يقول : (الرحمن الرحيم)، ثم يقف، ثم يقول : (مالك يوم الدين)، ثم يقف، وهكذا إلى آخرها.
53) وهكذا كانت قراءة النبي{ صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّم } كلها، يقف على رؤوس الآى، ولا يصلها بما بعدها، وإن كانت متعلقة المعنى بها.
54) ويجوز قراءتها (مالكِ) و (مَلِكِ)
قراءة المقتدي لها :
55) ويجب على المقتدي أن يقرأها وراء الإمام في السرية، وفي الجهرية أيضاً إن لم يسمع قراءة الإمام، أو سكت هكذا بعد فراغه منها سكتة ليتمكن فيها المقتدي من قراءتها، وإن كنا نرى أن هذا السكوت لم يثبت فى السنة.
القراءة بعد الفاتحة :
56) ويسن أن يقرأ بعد الفاتحة، سورة أخرى، حتى في صلاة الجنازة، أو بعض الآيات في الركعتين الأوليين.
57) ويطيل القراءة بعدها أحياناً، ويقصرها أحياناً، لعارض سفر، أو سعال، أو مرض، أو بكاء صبي.
58) وتختلف القراءة بأختلاف الصلوات، فالقراءة في صلاة الفجر أطول منها في سائر الصلوات الخمس، ثم الظهر، ثم العصر والعشاء، ثم المغرب غالباً.
59) والقراءة في صلاة الليل أطول من ذلك كله.
60) والسنة إطالة القراءة في الركعة الأولى أكثر من الثانية.
61) وأن يجعل القراءة في الآخرين أقصر من الأوليين، قدر النصف.
قراءة الفاتحة فى كل ركعة :
62) وتجب قراءة القاتحة في كل ركعة.
63) ويسن الزيادة عليها في الركعتين الأخيرتين أيضاً أحياناً.
64) ولا تجوز أطالة الإمام للقراءة بأكثر مما جاء في السنة، فإنه يشق بذلك على من قد يكون وراءه من رجل كبير في السن، أو مريض، أو امرأة لها رضيع، أو ذي الحاجة.
الجهر والإسرار بالقراءة :
65) ويُجهْرُ بالقراءة في صلاة الصبح، والجمعة، والعيدين، والاستسقاء، والكسوف، والأوليين من صلاة المغرب والعشاء، ويسر بها في صلاة الظهر والعصر، والثالثة من صلاة المغرب، والأخْرَيْين من صلاة العشاء.
66) ويجوز للإمام أن يسمعهم الآية أحياناً في الصلاة السرية.
67) وأما الوتر وصلاة الليل، فيسر فيها تارة، ويجهر تارة، ويتوسط في رفع الصوت.
ترتيل القرآن :
68) والسنة أن يرتل القرآن ترتيلاً، لا هذّاً ولا عجلة، بل قراءة مفسرة حرفاً حرفاً، ويزين القرآن بصوته، ويتغنى به في حدود الأحكام المعروفة عند أهل العلم بالتجويد، ولا يتغنى به على الألحان المبتدعة، ولا على القوانين الوسيقية.
الفتح على الإمام :
69) ويشرع للمقتدى أن يقتصَّد الفتح على الإِمام إذا ارتج عليه في القرآن.
سادساً - الركوع
70) فإذا فرغ من القراءة سكت سكتة لطيفة بمقدار ما يَتَرادُّ إليه نَفَسُهُُ.
71) ثم يرفع يديه على الوجوه المتقدمة في تكبيرة الإحرام.
72) ويكبر، وهو واجب.
73) ثم يركع، بمقدار ما تستقر مفاصله، وبأخذ كل عضو مأخذه، وهذا ركن.
كيفية الركوع :
74) ويضع يديه على ركبتيه، ويمكنهما من ركبتيه، ويفرج بين أصابعه، كأنه قابض على ركبتيه، وهذا كله واجب.
75) ويمد ظهره ويبسطه، حتى لو صب عليه الماء لاستقر، وهو واجب.
76) ولا يخفض رأسه، ولا يرفعه، ولكن يجعله مساوياً لظهره.
77) ويباعد مرفقيه عن جنبيه.
78) ويقول في ركوعه : "سبحان ربي العظيم" ثلاث مرات أو أكثر.
تسوية الأركان :
79) ومن السنة أن يسوي بين الأركان في الطول، فيجعل ركوعه وقيامه بعد الركوع، وسجوده، وجلسته بين السجدتين قريباً من السواء.
80) ولا يجوز أن يقرا القرآن في الركوع ولا في السجود.
الاعتدال من الركوع :
81) ثم يرفع صلبه من الركوع، وهذا ركن.
82) ويقول في اثناء الاعتدال : "سمع الله لمن حمده"، وهذا واجب.
83) ويرفع يديه عند الاعتدال على الوجوه المتقدمة.
84) ثم يقوم معتدلاً مطمئنا حتى يأخذ كل عظم مأخذه، وهذا ركن.
85) ويقول في هذا القيام : "ربنا ولك الحمد" وهذا واجب على كل مصل ولو كان مؤتما(*)فإنه ورد القيام، أما التسميع فورد الأعتدال.
(*)ولا يشرع وضع اليدين إحداهما على الأخرى في هذا القايم لعدم وروده.
86) ويسوي بين هذا القيام والركوع في الطول كما تقدم.