ولايته
كان محمد علي قد أرسله العثمانيون في الأساس ليتولى حكم مصر، الذي تم في 17 مايو عام 1805. قضى علي المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة وكانوا مراكز قوي ومصدر قلاقل سياسية ، مما جعل البلد في فوضي. وقضي علي الإنجليز في معركة رشيد وأصبحت مصر تتسم بالإستقرار السياسي لأول مرة تحت ظلال الخلافة العثمانية. فلقد بدأ محمد علي بتكوين أول جيش نظامي في مصر الحديثة. وكان بداية للعسكرية المصرية في العصر الحديث. ومما ساعده في تكوين هذا الجيش أن أشرف عليه الخبراء الفرنسيون بعد ما حل الجيش الفرنسي في أعقاب هزيمة نابليون في واترلو وروسيا. حارب الوهابيين بالحجاز ونجد وضمهما لحكمه سنة 1818. واتجه لمحاربة السودانيين عام 1820 والقضاء علي فلول المماليك بالنوبة و ساعد السلطان العثمانى فى القضاء على الثورة فى اليونان فيما يعرف بحرب المورة إلا ان وقوف الدول الاوروبية الى جانب الثوار فى اليونان ادى الى تحطم الاسطول المصرى و عقد محمد على لاتفاقية لوقف القتال مما اغضب السلطان العثمانى و كان محمد على قد انصاع لأمر السلطان العثمانى و دخل هذة الحرب املا فى ان يعطيه السلطان العثمانى بلاد الشام مكافأة له إلا أن السلطان العثمانى خيب آماله بإعطاءه جزيرة كريت و التى رآها محمد على تعويضا ضئيلا بالنسبة لخسارته فى حرب المورة و كذلك بعد الجزيرة عن مركز حكمه فى مصر و ميل اهلها الدائم للثورةو كان محمد على قد عرض على السلطان العثمانى اعطاءه حكم الشام مقابل دفعه لمبلغ من المال ألا أن السلطان رفض لمعرفته بطموحات محمد على و خطورته على حكمه و استغل محمد على ظاهرة فرار الفلاحين المصريين الى الشام هرباً من الضرائب و طلب من احمدباشا الجزار والى عكا اعادة الهاربين اليه و قد رفض والى عكا اعادتهم بأعتبارهم رعايا للدولة العثمانية و من حقهم الذهاب الى اى مكان استغل محمد على ذلك وقام بمهاجمة عكا و تمكن من فتحها واستولي علي الشام وانتصر علي العثمانيين عام 1833 وكاد يستولي علي الآستانة العاصمة إلا أن روسيا وبريطانيا وفرنسا حموا السلطان العثماني وانسحب عنوة ولم يبقى معه سوي سوريا وجزيرة كريت وفي سنة 1839 حارب السلطان لكنهم أجبروه علي التراجع في مؤتمر لندن عام 1840 بعد تحطيم إسطوله في نفارين. ففرضوا عليه تحديد أعداد الجيش والإقتصار علي حكم مصر لتكون حكما ذاتيا يتولي من بعده أكبر أول
سياساته
تمكن محمد علي أن يبني في مصر دولة عصرية على النسق الأوروبي، واستعان في مشروعاته الإقتصادية والعلمية بخبراء أوروبيين، ومنهم بصفة خاصة السان سيمونيون الفرنسيون، الذين أمضوا في مصر بضع سنوات في الثلاثينات من القرن التاسع عشر، وكانوا يدعون إلى إقامة مجتمع نموذجي على أساس الصناعة المعتمدة على العلم الحديث. وكانت أهم دعائم دولة محمد علي العصرية: سياسته التعليمية والتثقيفية الحديثة. فقد آمن محمد علي بأنه لن يستطيع أن ينشئ قوة عسكرية على الطراز الأوروبي المتقدم، ويزودها بكل التقنيات العصرية، وأن يقيم إدارة فعالة، وإقتصاد مزدهر يدعمها ويحميها، إلا بإيجاد تعليم عصري يحل محل التعليم التقليدي. وهذا التعليم العصري يجب أن يقتبس من أوروبا. وبالفعل بإنه طفق منذ 1809 بإرسال بعثات تعليمية إلى مدن إيطالية (ليفورنو ، ميلانو ، فلورنسا ، و روما) لدراسة العلوم العسكرية، وطرق بناء السفن، والطباعة. وأتبعها ببعثات لفرنسا، كان أشهرها بعثة 1826 التي تميز بيها إمامها المفكر والأديب رفاعة رافع الطهطاوي، الذي كان له دوره الكبير في مسيرة الحياة الفكرية والتعليمية في مصر.
أسرة محمد علي باشا كانت بانفتاحها و تنورها سبباً هاماً لازدهار مصر و ريادتها للعالم العربي منذ ذلك الوقت ، و قد أنهت تحكم المماليك الشراكسة (الجائر و المتحجر) بخيرات مصر.
انجازاته
لقد كانت إنجازات محمدعلي تفوق كل إنجازات الرومان والروم البيزنطيين والمماليك والعثمانيين . لأنه كان طموحا بمصر ومحدثا لها ومحققا لوحدتها الكيانية وجاعلا المصريين بشتي طوائفهم مشاركين في تحديثها والنهوض بها معتمدا علي الخبراء الفرنسيين. وكان واقعيا عندما أرسل البعثات لفرنسا واستعان بها وبخبراتها التي إكتسبتها من حروب نابليون . ولم يغلق أبواب مصر بل فتحها علي مصراعيها لكل وافد. وانفتح علي العالم ليجلب خبراته لتطوير مصر . ولأول مرة يصبح التعليم منهجيا . فأنشأ المدارس التقنية ليلتحق خريجوها بالجيش. وأوجد زراعات جديدة كالقطن وبني المصانع واعتني بالري وشيد القناطر الخيرية علي النيل عند فمي فرعي دمياط و رشيد .
ولما استطاع محمد علي القضاء علي المماليك ربط القاهرة بالأقاليم ووضع سياسة تصنيعية و زراعية موسعة. وضبط المعاملات المالية والتجارية والادارية والزراعية لأول مرة في تاريخ مصر. وكان جهاز الإدارة أيام محمد علي يهتم أولا بالسخرة وتحصيل الأموال الأميرية وتعقب المتهربين من الضرائب وإلحاق العقاب الرادع بهم. وكانت الأعمال المالية يتولاها الأرمن والصيارفة كانوا من الأقباط والكتبة من الترك .لأن الرسائل كانت بالتركية. وكان حكام الاقاليم واعوانهم يحتكرون حق التزام الاطيان الزراعية وحقوق امتيازات وسائل النقل. فكانوا يمتلكون مراكب النقل الجماعي في النيل والترع يما فيها المعديات. وكان حكام الأقاليم يعيشون في قصور منيفة ولديهم الخدم والحشم والعبيد. وكانوا يتلقون الرشاوي لتعيين المشايخ في البنادر والقري . وكان العبيد الرقيق في قصورهم يعاملون برأفة ورقة . وكانوا يحررونهم من الرق. ومنهم من أمتلك الأبعاديات وتولي مناصب عليا بالدولة .وكان يطلق عليهم الأغوات المعاتيق. وكانوا بلا عائلات ينتسبون إليها . فكانوا يسمون محمد أغا أو عبد الله أغا. وأصبحوا يشكلون مجتمع الصفوة الأرستقراطية. ويشاركون فيه الأتراك . وفي قصورهم وبيوتهم كانوا يقتنون العبيد والأسلحة . ومنهم من كانوا حكام الأقاليم . وكانوا مع الأعيان المصريين يتقاسمون معهم المنافع المتبادلة ومعظمهم كانوا عاطلين أي بلا عمل. وكثيرون منهم كانوا يتقاضون معاشات من الدولة أو يحصلون علي أموال من اطيان الإلتزام. وكانوا يعيشون عيشة مرفهة وسط أغلبية محدودة أو معدومة الدخل .
كان محمد علي ينظر لمصر علي أنها أبعديته .فلقد أصدر مرسوما لأحد حكام الأقليم جاء فيه : البلاد الحاصل فيها تأخير في دفع ماعليها من البقايا او الاموال يضبط مشايخها ويرسلون للومان (السجن ). والتنبيه علي النظار بذلك . وليكن معلوما لكم ولهم أن مالي لايضيع منه شيء بل آخذه من عيونهم .وكان التجار الأجانب ولاسيما اليونانيين والشوام واليهود يحتكرون المحاصيل ويمارسون التجارة بمصر .وكانوا يشاركون الفلاحين في مواشيهم. وكان مشايخ الناحية يعاونونهم علي عقد مثل هذه الصفقات وضمان الفلاحين . وكانت عقود المشاركة بين التجار والفلاحين توثق في المحاكم الشرعية. وكان الصيارفة في كل ناحية يعملون لحساب هؤلاء التجار لتأمين حقوقهم لدي الفلاحين . لهذا كان التجار يضمنون الصيارفة عند تعيينهم لدي السلطات. ولا سيما في المناطق التي كانوا يتعاملون فيها مع الفلاحين . وكان التجار يقرضون الفلاحين الأموال قبل جني المحاصيل مقابل إحتكارهم لشراء محاصيلهم. وكان الفلاحون يسددون ديونهم من هذه المحاصيل. وكان التجار ليس لهم حق ممارسة التجارة إلا بإذن من الحكومة للحصول علي حق هذا الإمتياز لمدة عام ، يسدد عنه الأموال التي تقدرها السلطات وتدفع مقدما .لهذا كانت الدولة تحتكر التجارة بشرائها المحاصيل من الفلاجين أو بإعطاء الإمتيازات للتجار .وكان مشايخ أي ناحبة متعهدين بتوريد الغلال والحبوب كالسمن والزيوت والعسل والزبد لشون الحكومة لتصديرها أو إمداد القاهرة والإسكندرية بها أو توريدها للجيش المصري . لهذا كان الفلاحون سجناء قراهم لايغادرونها أو يسافرون إلا بإذن كتابي من الحكومة .وكان الفلاحون يهربون من السخرة في مشروعات محمد علي أو من الضرائب المجحفة او من الجهادية. وكان من بين الفارين المشايخ بالقري . لأنهم كانوا غير قادرين علي تسديد مديونية الحكومة. ورغم وعود محمد علي إلا أن الآلاف فروا للقري المجاورة او لاذوا لدي العربان البدو أوبالمدن الكبري . وهذا ماجعل محمد علي يصدر مرسوما جاء فيه : بأن علي المتسحبين ( الفارين أو المتسربين) العودة لقراهم في شهر رمضان 1251 هـ - 1835 م. وإلا أعدموا بعدها بالصلب كل علي باب داره أو دواره. وفي سنة 1845 أصدر ديوان المالية لائحة الأنفار المتسحبين. هددت فيها مشايخ البلاد بالقري لتهاونهم وأمرت جهات الضبطية بضبطهم ومن يتقاعس عن ضبطهم سيعاقب عقابا جسيما.
وتبني محمد علي السياسة التصنيعية لكثير من الصناعات . فقد أقام مصانع للنسيج ومعاصر الزيوت ومصانع الحصير. وكانت هذه الصناعة منتشرة في القري إلا أن محمد علي إحتكرها وقضي علي هذه الصناعات الصغيرة ضمن سياسة الإحتكار وقتها. وأصبح العمال يعملون في مصانع الباشا. لكن الحكومة كانت تشتري غزل الكتان من الأهالي. وكانت هذه المصانع الجديدة يتولي إدارتها يهود وأقباط وأرمن. ثم لجأ محمد علي لإعطاء حق إمتياز إدارة هذه المصانع للشوام . لكن كانت المنسوجات تباع في وكالاته ( كالقطاع العام حاليا ). وكان الفلاحون يعملون عنوة وبالسخرة في هذه المصانع. فكانوا يفرون وبقبض عليهم الشرطة ويعيدونهم للمصانع ثانية. وكانوا يحجزونهم في سجون داخل المصانع حتي لايفروا. وكانت أجورهم متدنية للغاية وتخصم منها الضرائب. تجند الفتيات ليعملن في هذه المصانع وكن يهربن أيضا.
وكانت السياسة العامة لحكومة محمد علي تطبيق سياسة الإحتكار وكان علي الفلاحين تقديم محاصيلهم ومصنوعاتهم بالكامل لشون الحكومة بكل ناحية وبالأسعار التي تحددها الحكومة . وكل شونه كان لها ناظر وصراف و قباني ليزن القطن وكيال ليكيل القمح. وكانت تنقل هذه المحاصيل لمينائي الاسكندرية وبولاق بالقاهرة. وكانت الجمال تحملها من الشون للموردات بالنيل لتحملها المراكب لبولاق حيث كانت تنقل لمخازن الجهادية أو للإسكندرية لتصديرها للخارج .وكان يترك جزء منها للتجار والمتسببين (البائعين ) بقدر حاجاتهم. وكانت نظارة الجهادية تحدد حصتها من العدس والفريك والوقود والسمن والزيوت لزوم العساكر في مصر والشام وافريقيا وكانت توضع بالمخازن بالقلعة وكان مخزنجية الشون الجهادية يرسلون الزيت والسمن في بلاليص والقمح في أجولة.
وكان ضمن سياسة محمد علي لاحتكار الزراعة تحديد نوع زراعة المحاصيل والأقاليم التي تزرعها. وكان قد جلب زراعة القطن والسمسم. وكان محد علي يحدد أسعار شراء المحاصيل التي كان ملتزما بها الفلاحون .وكان التجار ملتزمين أيضا بأسعار بيعها. ومن كان يخالف التسعيرة يسجن مؤبد أو يعدم. و أرسل لحكام الأقاليم أمرا جاء فيه (من الآن فصاعدا من تجاسر علي زيادة الأسعارعليكم حالا تربطوه وترسلوه لنا لأجل مجازاته بالإعدام لعدم تعطيل أسباب عباد الله). وكانت الدولة تختم الأقمشة حتي لايقوم آخرون بنسجها سرا .وكان البصاصون يجوبون الأسواق للتفتيش وضبط المخالفين. وكان محمد علي يتلاعب في الغلال وكان يصدرها لأوربا لتحقيق دخلا أعلي. وكان يخفض كمياتها في مصر والآستانة رغم الحظر الذي فرضه عليه السلطان بعدم خروج الغلال خارج الإمبراطورية.
[عزله و وفاته
عزله أبناؤه في سبتمبر عام 1848 لأنه قد أصيب بالخرف. ومات بالإسكندرية في أغسطس 1849 ودفن بجامعه بالقلعة بالقاهرة.