محمد نجيب (1896 - 1984) هو أول رئيس جمهورية مصري (1952 - 1954)، لم يستمر في سدة الحكم سوى فترة قليلة، حتى عزله جمال عبد الناصر ووضعه تحت الإقامة الجبرية بعيداً عن الحياة السياسية. وكان اللواء اركان حرب محمد نجيب هو أول حاكم مصري يحكم مصر منذ العصر الفرعوني بعد قيادته لثورة 23 يوليو التي انتهت بخلع الملك فاروق . أعلن مباديء الثورة الستة وحدد الملكية الزراعية . وكان له شخصيته وشعبيته المحببة للشعب المصري . حتي قبل قيامه بقيادة الثورة . مما أضفي للثورة مصداقية وحقق لها النجاح عند قطاع عريض من طوائف الشعب المصري.يعتبر محمد نجيب مصريا لأن أباه مصري 100% ًرغم أن والدته كانت من أصل سوداني، إذ كان وقتها شعب وادي النيل يتكون من مصر والسودان معاً، فيما عرف باسم مملكة مصر والسودان، ولم يكن يوجد وقتها ما يُسمي بالجنسية السودانية. الجدير بالذكر أن الرئيس الراحل انور السادات كانت أيضا والدته سودانية، لأن السودان ومصر كانا شعب وادي النيل وقتها.ولد محمد نجيب في عام 1896 في السودان. ظهرت وطنيته أثناء دراسته الابتدائية، إذ دخل في نقاش مع أحد مدرسيه الإنجليز حول من يحكم مصر، فحكم عليه الأستاذ الانجليزي (المعقد نفسياً) بالجلد، وفعلاً تم تطبيق الحكم، في واقعة تدفعنا للتفكر في تزييف الحقائق التي لا يزال يتبعها أحفاد المحتلين، حين يدفعون تهمة الاحتلال بحجة القضاء على الجهل وتنوير العقول.اضطر محمد نجيب للعمل بعد وفاة والده ليعول نفسه وعائلته، ثم قرر الالتحاق بالكلية الحربية ، وعمل في ذات الكتيبة المصرية التي كان يعمل بها والده في السودان.اكتشف بعدها أنه لا يعدو كونه خادماً مطيعاً لأوامر الاحتلال البريطاني، ولذا آل على نفسه أن يكمل دراسته بمجهوده الفردي حتى حصل على البكالوريا.حاول الخروج من حياته العسكرية بالتحاقة بمدرسة البوليس، وفيها تعلم القانون واحتك بمختلف فئات الشعب المصري، لكنه قرر العودة إلى صفوف الجيش مرة أخرى.عاد بعدها إلى السودان، وهناك عمد إلى دراسة العلاقة ما بين مصر والسودان، وألف كتاباً تناول فيه مشكلات السودان وعلاقتها بمصر.تم نقله بعدها إلى الحرس الملكي، وحصل بعدها على ليسانس الحقوق، ثم تزوج بعدها وانجب أبنين أحدهما قتل بطريقة غامضة.
كانت مصر محكومة من الملك فاروق، والذي كان يتلاعب بالوزارات، يحلها تارة ويغيرها تارة أخرى، ثم جاءت حرب/نكبة فلسطين في عام 1948 ودار فيها ما دار من خيانات وتقاذف المسؤولية عنها, القصر تارة والمحتل البريطاني تارة والأحزاب السياسية تارةثالثة . شارك محمد نجيب في حرب فلسطين وأصيب فيها ثلاث مرات وحصل على رتبة لواء أركان حرب ومنح لقب البكوية لما أبلاه في هذه الحرب الذي أصيب بها.عاد ضباط الجيش المصري بعد هذه النكبة مصدومين من كم الخيانات الصادرة من القصر، ومن المحتل، فعزموا على إنقاذ مصر مما هي فيه من هوان ومذلة، وشاركوا اللواء أركان حرب محمد نجيب أفكارهم ونواياهم فوافقهم وشاركهم العمل لتخليص مصر من الاحتلال ولتحكم مصر نفسها بنفسها. وكان يرعي وقتها تنظيم الضباط الأحرار، وتحدي الملك فاروق وفاز في انتخابات رئاسة نادي الضباط رغما عن الملك الذي شعر وقتها أن الجيش أخذ يتحداه.
كانت مصر بعد حريق القاهرة في يناير 1952 تمر بفترة قلاقل سياسية متعاقبة، وكان المصريون يتطلعون للتغيير. نتيجة للشعبية التي نالها محمد نجيب وسط الضباط الأحرار. مما جعل الملك فاروق يرشحه ليكون وزيراً للحربية قبل أيام من إندلاع ثورة 23 يوليو 1952.بعد نجاح الثورة، رأي محمد نجيب أن يعود الجيش إلى ثكناته، وأن يمنح الشعب المصري الديمقراطية وأن يتولى حكم مصر الساسة والأحزاب ليحكم الشعب نفسه بنفسه .لكن هذا الرأي لم يوافق هوى بقية الضباط الأحرار، الذين اقتصرت خبرتهم على التعامل مع الجنود ومع الأسلحة والصحراء، ولا يحترفون فنون السياسة، ولاسيما بعدما قبضوا علي كثير من الزعماء السياسيين وحاكموهم بتهم الفساد السياسي، وحددوا إقامة زعيم الأمة وقتها مصطفى النحاس.
في نوفمبر 1954، قرر مجلس قيادة الثورة - بعد استقرار الأمور لهم وترحيب الشعب بهم ونجاح الثورة- عزل محمد نجيب من رئاسة الجمهورية لأول مرة مما أثار سلاح الفرسان وبقية الجيش وطالبوا بعودته . فعاد ثانية يعد إسبوع من عزله وكانت الثورة مهددة وكان المصريون والسودانيون يحبونه كثيرا لشعبيته الطاغية .وكانت عودته فرحة لجميع الشعب . أخذ عبد الناصر ورفاق الثورة يتآمرون ضده وسلطوا عمال الترام للقيام بمظاهرات ضده .وتم وضع قنابل في إحدي دور السينما والإعتداء علي مجلس الدولةورئيسه الدكتور السنهوري , وبعض المحلات العامة ليظهر للشعب أن محمد نجيب ليس قادراً علي ضبط الأمور بمصر رغم أن عبد الناصر كان رئيس الوزراء ووزير الداخلية . وكان المثقفون يؤيدون توجهات محمد نجيب للديمقراطية وقتها. وحاول البكباشي جمال عبد الناصر أن يحل مكانه.فاعتقل الآلاف من المثقفين الذين عارضوا الديكتاتورية التي بدأ مجلس قيادة الثورة يمارسهامن خلال زوار الفجر . فقرر مجلس الثورة وضع محمد نجيب تحت الإقامة الجبرية دون أي تهمة، في قصر مهجور في ضاحية المرج المنعزلة وقتها، مع منعه تماماً من الخروج أو من مقابلة أياً من كان، حتى عائلته . وطرد من الجيش كل الضباط الذين نادوا بعودة محمد نجيب . وتركوه وحيداً يخدم نفسه بنفسه، وترصد رجال الشرطة لعائلة محمد نجيب وتوعدوهم إن هم تكلموا عن الوضع المزري له. وظل علي هذا الحال طوال حكم عبد الناصر إلي أن أفرج عنه السادات بعد حرب 1973.ورغم هذا ظل السادات يتجاهله تماما.
كان جزاؤه جزاء سنمار بعدما حرر مصر من حكم أسرة محمد علي . وطبعا نتيجة المعاملة السيئة التي نالها محمد نجيب من زملائه رجال الثورة .كان يعتبر في نظر السودانيين رمز وحدة وادي النيل لأن أمه سودانية ولأنه عاش بينهم. وهذاالإعتقال جعل السودانيين في انتخابات تقرير المصير بين الوحدة والإنفصال . ففرروا بالإجماع الإنفصال ردا علي اعتقال محمد نجيب وما فعله زملاؤه به .ولولا هذا لأصبح السودان كيانا متحدا مع مصر ودولة واحدة .وقال وقتها أنصار المهدي إذا لم يكن رجال الثورة فيهم خيرا في قائدهم الذي تحمل المسئولية ووضع روحه علي كفه وقام بالثورة . فهل سيكون بهم وفاء لو اتحدنا معهم ؟. وتم الإنفصال وكان محمد نجيب في سجن عبد الناصر وكان انفصال السودان عن مصر سببه هذا . لأن السودانيين شعروا بعدم الأمان مع عبد الناصر وزمرته , فصوتوا ضد وحدة وادي النيل بعد حوالي قرنين من حكم مصر للسودان .بعدها عاد المصريون من السودان . وخير السودانيون بين الجنسية المصرية أوالجنسية السودانية وكان انفصال السودان أول ضربة سياسية استقبلها الشعب المصري بحزن بالغ نتيجة سياسة عبد الناصر . وانفصال السودان تبعه مسلسل الهزائم التي توالت باليمن وهزيمة يونيو . وكان مجمد نجيب يحكم مصر عندما وقعت اتفاقية الجلاء عام 1954 واتفاقية تقرير مصير السودان . رحل محمد نجيب في عام 1984 وفي هدوء بعدما كتب مذكراته شملها كتابه المعنون: كنت رئيساً لمصر، في شهادته للتاريخ، ويُشهد له أن كتابه خلا من أي اتهام لأي ممن خانوه أو تخلوا عنه.كان وطنيا لاشك في هذا . .ولم يبق من ذكراه سوي اسم محظة مترو باسمه . وكانت لفتة طيبة لزعبم قام بثورة غيرت تاريخ مصر.
كان هذا الزعيم ضحية تآمر بعض رجال مجلس قيادة الثورة ضده . فأقالوه مرة لكن الجيش والشعب أعاداه لرئاسة الجمهوريةز قامت المظاهرات بالقاهرة والإسكندرية والمدن الكبري تطالب بعودته .وقطعت الإذاعة برامجها لتعلن خبر عودته وسط فرحة عارمة للشعب المصري . وتآمروا ضده بعد عدة شهور ولفقوا له تهما من بينها اتصاله بالإخوان المسلمين وجرحوه في شخصه إفكا . وكان محمد نجيب رمز الثورة ورفع شعار الإتحاد والنظام والعمل . وبعد أن اعتقله عبد الناصر وفرض حصارا جائرا ومطبقا عليه .وأقاله مجلس قيادة الثورة للمرة الثانية بايعاز منه ليخلو له منصب الرئاسة وكان وقتها رئيس الوزراء ووزيرالداخلية .لم يعد يذكر اسم محمد نجيب في كتب التاريخ أو الإعلام كقائد ثورة يوليو. وكان ينسب قيام الثورة لعبد الناصر. ومن كان يذكر اسم محمد نجيب يزج به في سجون عبد الناصر . وكان يلقن الطلبة بان اول رئيس للجمهورية هو عبد الناصر الذي جعل في دستور 1954 أن رئيس الجمهورية من أبوين مصريين ليسد باب رجعة محمد نجيب لرئاسة الجمهورية لأن أمه سودانية . ورغم هذا تولي السادات وكانت امه سودانية بما يتنافي مع نص الدستور المصري . ولم يعلن علي الشعب أن محمد نجيب أول رئيس للجمهورية إلا عند إعلان وفاته . واندهش الذين لم يعاصروه عند ما نعته رئاسة جمهوؤية مصر وشيعت جنازته جنازة عسكرية . اخذ الكتاب المعتدلون يكتبون عن سيرته بأمانة وصدق . وبدأت الكتب المدرسية تشير إلي أنه أول رئيس للجمهورية وقائد ثورة 1952. كانت حياته كفاحا صادقا من أجل مصر والقضية الفلسطينية . حقق لمصر الجلاء في توقيع حكومته علي اتفاقية هذا الجلاء ابان رئاسته عام 1954. لقد شاهد انفصال السودان وهزيمة 1956 ابان الإعتداء الثلاثي الشهير وسقوط الجمهورية العربية المتحدة وهزيمة يونيو 1967 , وموت عبد الناصر ,ونصر اكتوبر1973 واغتيال السادات وتحرير سيناء . لن تنسي له مصر بأنه أسقط الملكية وجعلها جمهوريةمصر .فتاريخ محمد نجيب ملك للمصريين وثبت مثبت في تاريخ مصر الحديث . لفد رد له اعتباره بعد وفاته ووفاء له واعترافا له بانه حرر مصر من الملكية وجعل حكم مصر للمصريين . ودخلت مصر من بعده التيه السياسي وأدخلها عبد الناصر في نفق مظلم من السياسة العشوائية التي أدت إلي هزيمة يونيو وإحتلال اسرائيل لسيناء والجولان وغزة والضفة الغربية.
[size=18]